Monday 7 July 2008

!!! الحكمة جتلتنى

اعود بذاكرتى الى الوراء.... الوراء قوى.... أيام المدرسة الابتدائى.... أيامها-طبعا-كان الطلبة كلهم يحضرون الطابور... هذا قبل أن يتحول حضور الطابور الى عمل شاق تستمتع بوضع يدك كاملة فى الفرن بدلا من القيام به

اتذكر فقط التحية... تحية العلم... لا أعلم لماذا كنت أحب تحية العلم جدا.. "الله أكبر" ثلاثا.., ثم "تحيا جمهورية مصر العربية" ثلاثا.. استمتع جدا بقولها, حتى المرّات القليلة التى كنت أحضر فيها الطابور فى المرحلتين الاعدادية و الثانوية كنت أشد قامتى منتصبا وكما يفعل أى عسكرى على باب الوزارة عندما يمر عليه صاحبها !!... و يجلجل صوتى بالهتاف... و" يجلجل" هنا مستخدمة حرفيا... بعد انتهاء التحية كان الكل ينظر لى فى دهشة... و لكن -لدهشتى-لم أكن أشعر بذرة من حرج... كان العَلَم فى تلك الفترة -ومازال- يمثل لى ما تعنيه كلمة (بلدى)... فعلا


أتحدث عن هذا فقط لأنى فوجئت بحالة (لا حب) للبلد.... الكل يعلن عن كرهه للبلد بعلانية وأن " يا عم دى بلد بنت (....) كلب... الواحد عايز يهاجر و يخلص".... ناسيا أنه يخلط بين (البلد) نفسها و بين (ما يحدث بالبلد).... و هو خطأ أصبح له شعبية هائلة بين أبناء جيلى على الاقل


أفكر فى كل هذا ثم استرجع حديثى مع أحد اصدقائى بينما كنا عائدين من أحد الدروس الخصوصية... درس الكيمياء تحديدا... يقول لى و على شفتيه انفراجة تجمع ما بين السخرية و الجدية ولا أدرى كيف " وهى مصر عملت لى إيه يعنى علشان أحبها ؟؟".... أنظر الى وجهه فأجد نفس الانفراجة التى لا اجسر على تسميتها ابتسامة

حسن.... أرجو الا يأخذ البعض-أو المعظم... على حد تقديرى !!- الامر على أنه مقارنة بينى و بين صديقى... لا ... فقط أتأمل الجملة .... "وهى مصر عملت لى ايه يعنى".... هذا صبى فى السادسة عشر من عمره يعلن بشدة أن مصر لم تعطه شيئا... ناسيا أصلا انه لم يطلب...الدراجة التى يسحبها بجانبه و المحمول الراقد فى استكانه بجيبه و ال(جِل) الذى صفف به شعره قبل أن يأتى... كل هذه الاشياء هو لم يطلبها.. أبوه فعل... أبوه نزل الى الشارع و حارب التبلد و الغباء و الديكتاتورية و البيروقراطية والفقر ليجلب له بطاقة شحن الموبايل أو ثمن زيت تشحيم العجلة .... أى انه لم يدخل فى مواجهة مباشرة مع البلد ليقول بعدها انها وجهت له الضربة القاضية فألقت به خارج حلبة الحياة... هو فقط يرتكب ذات الخطأ... أبى رفض ان يعطينى 5 جنيهات قبل أن آتى... (البِت) لم تجب على الرسالة التى بعثتها لها صباحا... فى المدرسة المدير يوجب علينا الحضور مبكرا و مدرس الكيمياء يحتم جلب الكتاب ذى ال300 صفحة والا هى الخيرزانة الرفيعة.... اذن... ملعون أبو البلد !!!.... و كأن البلد فى وسعها منع كل هؤلاء عما يفعلونه..... لماذا لا أفكر فى كل هؤلاء اذن... لماذا لا أفكرفى أن الاب لم يعطنى الجنيهات الخمس لأنه لا يملك, أو ان(البت) لم تجب لأنها (بت) فعلا, أو أن المدير و المدرس يعيشان فى عوالم الخليفة العثمانى.... و لكن لا.... البلد هدف سهل و لن يرد علىّ أحد.... يسهل على الفرد أن يتخيل الكف أو الجذمة أو الخيرزانة التى ستهوى عليه لو صارح كل هؤلاء يرأيه هذا فيهم.. ولكن من سيرد علىّ عندما أشتم البلد أو أكرهها ؟؟ لا أحد... و هى مصيبة فى حد ذاتها


يا جماعة و النبى بلاش نخلط بين الحاجتين.... لم ينكر أحد أن المعيشة أصبحت مستحيلة ... البعض يعيشون بمبلغ 60 جنيها ولا ادرى كيف....ولكن ليس معنى ذلك ان ألعن البلد

قد يقول البعض "والله انت شكلك كده عايش فى عالم تانى غيرنا".... يا جدعان والله أنا بسافر للكلية بتاعتى فى ميكروباص معفن و ياما وقفت فى طوابير عيش و ياما قعدت فى البيت مبوّز لأن أمى مرضيتش تدينى 10 جنيه أجيب بيهم العددين الجداد بتوع د. أحمد خالد توفيق... أنا بس قرفان من الحالة دى

***************

الحكمة جتلتنى
و خلّتنى
أخاف عليكى يا مصر
و أحكيلك على المكنون
مين اللى عاجل فينا مين مجنون
مين اللى مدبوح من الألم
مين اللى ظالم فينا مين مظلوم
مين اللى ما يعرفش غير كلمة نعم
مين اللى محنيلك خضار
الفلاحين الغلابة
مين اللى محنيلك عمار
عمالك الطيابة
مين اللى بيبيع الضمير
و يشترى
ويشترى بيه الدمار


الكنج منير

No comments: