Thursday 30 August 2012

كانت لنا أيّام ..

القراءة - في نظري - كالمسبحة .. لا تستطيع أن تقف عند مرحلة معينة وتهتف بانتصار : خلّصت !.. بل هى حبّة تدفع حبّة .. تتبعها أخرى .. وأخرى ..
ولكنك تجد فيها علامات مميزة .. حبّاتٌ أكبر من غيرها .. تمثّل انتهاء مرحلة وبداية أخرى ..

هكذا كان هذا الكتاب .. مجتمعا مع اثنين آخرين للعبقرى د.عبدالوهاب المسيري " سيرتي الذاتية في الجذور والبذور والثمر" و " العالم من منظورٍ غربىّ" .. من علامات حياتي ..


قرأته بينما هاجس الثانوية العامة يسيطر علىّ .. متبعا نصيحة أبي الروحى - ا.محمود الديب - : اقراه على مهلك ..


كان يجمع بين شيئين في غاية الأهمية : عقلية العقاد الحازمة التي لا تقبل الجدل .. عقلية أنيس منصور التحليلية شديدة الاغراق في فلسفيتها ..

لم أفهم منه الكثير بالطبع وقتها .. لكنى أدركت أهميته الآن ..

كأنه كان مفتاحا ينتظر الوقت المناسب لفتح أبوابٍ كثيرة في عقلك .. وكان أيضا حبّة كبيرة .. في مسبحة قراءاتي ..


..........................
......................

أنيس منصور - (18 أغسطس 1924 - 21 أكتوبر 2011)


كل سنة وانت طيب .. :)

Wednesday 29 August 2012

سمكة - ويا للعجب - على بلطيّة ..

لا سبب مُبرَّر, أو حاجة قهريّة ما , أو رغبة في التميّز .. كلُّ ما هنالك فقَط أنّي أعتبرُ السادات وفيجو ( عمرو حاحا ) رائدين من روّاد الفن الحديث في مصر .. فلا تقلّ أهميّتهما عن أهميّة منير مثلا ..

فـلاسـفـة وجـوديـّون يُـصـلّـون الـنـوافـل .

- طيب ماتحاول

- حاولت وفشلت

- بص انت بتتكلّم ازاى ؟! .. عمرك ما هتوصل لحاجة بالطريقة دي !

- ومين قال إني عايز أوصل لحاجة أصلا ؟ .. كل اللي بعمله دا كأنه خربشة على الحيطان , لو بقي حتى منها الصوت بس يبقى كويس .. إنما هنقعد نتكلّم عن تحقيق الذات والخرف دا يبقى الكلام مالوش لازمة .

- القطط بس هي اللي بتخربش على الحيطان .

- والفيران , والكلاب , والحمام .... ليه الانسان لأ ؟!

- والخربشة وصلتك لايه في الآخر ؟؟ ايه النتيجة ؟

- مابفكّرش في نتايج .. بس على الأقل هموت وأنا راضي عن نفسي .

- مش لايق عليك الدور دا .

- دور ايه ؟؟

- دور الفلاسفة الوجوديين اللي انت عايش فيه حاليا دا .

- ماتخافيش , معظم الوجوديين انتحروا , أنا حاليا أبعد ما يكون عن الانتحار .

- ......

- ماتكبّريش الموضوع .. كل الحكاية إني فعلا حاولت وفشلت زى ما قلت لك في الأول .. مش لازم بقى نقلبها جلسة تحليل نفسي .

- أصلها مش أول مرة .. وأكيد مش هتبقى آخر مرة .

- ربّك هيسهلّها .

- منتظم في صلاتك ؟

- أحيانا .. أسابيع بتعدّي عليّا مابصلّيش غير الجمعة بس , وأسابيع تانية بتعدّي بصلّي الفروض بالسنن والنوافل .

- ودا ليه ؟؟

- ماعرفش .

- طيب على الأقل اوعدني .

- بإيه ؟

- إنك .....

- ها ؟؟

- .......

- حاضر .. أوعدك . 

إيـديـمـا .

فلماذا لا نعودُ للتدوين مرةً أخرى ؟؟

تقولُ يا صاحبي أنّي أحمق. لا أحد يقلعُ عن الكتابةِ ثمَّ يعودُ بهذه السهولة , ثم لماذا قضيْتَ أكثرَ من عامٍ كاملٍ لم تكتُبْ حَرفا ؟؟

تقولُ أنّي مستهتر . طيلة الفترة الأخيرة مرّت على ذهني مئاتُ الأفكار في سباقْ .. تصلحُ كأفكارٍ لقصصٍ قصيرة , لمقالات , لملاحظات أتجاهلها ثم أجِدُها منتشرةً بعدها بيوميْن مع شهقاتِ الاعجاب بصاحِبها .. تصلحُ حتّى كبداية لأغنية .. لكنّي - في برود - تعلّمتُ التجاهل .

تقولُ أن أصابعي بالتأكيد قد فارقتها الحيوية .. وأنها تحتاجُ إلى " تليين " .
تقولُ أنّي تخطّيْتُ " لحظة الذروة " أساساً . تلك اللحظة التي تحوّل فيها الجميعُ إلى طبّاعات حيّة, يوشكُ كلٌّ منهم فيها أن يحلمَ في صورةِ ورقٍ مطبوع لا صور.
 هناك ثورةٌ كاملة لم تكتبْ عتها حرفاً .. هناك تبعاتٌ لها لم تلتفتْ لها أيضاً .. هناك بدايةُ علاقةٍ جديدة بـ ( أولتراس يفيلز )  أهملتَها .. هناك أكثرُ من مشهدٍ رأيته ثم هززتَ كتفيك وابتعدت .. هناك حالاتٌ نفسيّة وصلتَ فيها للقمة - بين سعادةٍ واكتئاب - ولم تكلّفْ نفسكَ عناءَ أن تنقلَها على الورق .. تجربةُ تطهيرٍ شاملة مررتُ بها - ولا زلت - تسمّى " الباطنة ", رفضتُ تماماً أن تسجّلها ..
 هناك علاقاتٌ تذهبُ وتجئ , أشخاصٌ تدينُ لهم باعتذارٍ شامل ,آخرون تنتظرُ منهم مثل هذا .. هناك لفظاتُ سُباب , أعقابُ سجائر , محاولاتُ فَهم , كلماتٌ غضبى , لحظاتُ جنون , ضحكاتٌ خافتة , أصواتُ زَعيق , أوراقٌ ما زالت , ونغماتُ عُود .

تقولُ أنّي مخطئ . أبسطُ مثالٍ على ذلك أنّي لم أدرسْ حرفاً اليوم .. ثلاثُ صفحاتٍ من أصلِ خمسٍ وعشرين هى كميّةُ تحصيلي .. فاشلٌ أنا في كيفية الحفاظِ على مُستقبلي , فكيف لا زلت أجدُ في نفسي الصفاقةَ الكافية للعودة إلى الكتابة ؟؟

تقولُ أنّي حتى لو أردتْ , فيجبْ ألاّ أفعلَ ذلِك هُنا .. في المدوّنة .
تُذكّرني بأن أحداً لم يطأ هذا المكان منذُ عامٍ ونيْف, اللهم إلاّ فيما ندر .. وأنّي كنت أملكُ شعبيّة ما فصارت تاريخاً , أمّا الآن - لو أردت البدء من جديد - فيجب أن يكون هذا في مكانٍ جديد أيضاً ..

تقول أنّي حتى من الممكن أن أكتبَ عن حالة الملل التي أمرُّ بها الآن , أو عن عقب السيجارة التي ما زال الدخانُ يتصاعدُ من رأسِها المحتضر في مطفأةِ التبغِ بجواري , أو حتى عن حالة " الإيديما الرئوية الحادة " التي كتبتُ بجوارِ عنوانها في الكتاب " هام جداً شفوي ونظري " . .. لكن ما جدوى هذا ؟؟ تقولُ أن الكتابة فُقِدَت منّي في الطريق , كما فُقِدَ الرسمُ, فالتلوينُ , فالتصوير .

تقولُ أنّي في صغري كنتُ رسّاماً بارعاُ. كم من مرّة ذهبتْ رسوماتي الطفلةُ لهذه المسابقة أو تلك على مستوى الادارة, باسم المدرسة ؟؟ كم مرة تردّدَ صدى صوتِ حروفِ اسمي في جنباتِ فناءِ المدرسةِ الصغير ,معلناً عن تكريمي للفوز في المسابقة ؟؟
كم مَرة أمسكتْ أبلة " فاتن " قلمك أو ألوانك لتضيفَ خطّاً هنا أو تزيدَ من تظليل شدّة لون ما في جانبِ اللوحة ؟؟ بل كم مرّة قابلت أبلة " فاتن " ذاتَها في الطريق بخِمارها المعهود وقد بانت ملامحُ الزمن - تقولْ - على وجهها, فلم تجرؤ على أن ترفعَ عينيك في عينيها ؟؟

تقولُ أنّي أوليتُ اهتماماً شديداً ذاتَ مرحلة , للتصوير . تقولُ أنّ هاتفي المحمولَ السابق ذا الكاميرا , كان يعُجُّ بصورٍ جيّدة حقاً . تقولُ أنّي - لابد - كنت أحملُ بذرةَ مصوّرٍ ما بين تلافيف عقلي , أو - على الأقل - مصوّر هاوٍ. تقولُ أنّي استيقظتُ من النومِ يوماً وقد نسيتُ كلَّ شئ عن الصورِ والتصوير . فلم تكونُ الكتابةُ اختلافاً ؟؟

. . .

أنتَ على حقّ يا صاحبي .. أنت تنسى أنني من صدّرَ لك هذا الاحساسِ في البداية , ثم تأتي أنت لتصيحَ به الآن في انفعال, كأنك تقولُ جديداً ..لكن لا بأسْ .
فقط أحاولُ الاّ أغفو .. ألاّ أزدادُ تشبُّـثاً بذاك العالم .
ألاّ أرمي عقب السيجارة فينطفئ ..

أحاولُ - فقط - أن أتعقّبَ أفكاري حتى مصارعِها.